وكعادتي قبل الذهاب للمطار، أتأكد أنني لم أنسَ شيئاً.. جواز السفر ونسخة منه، بطاقتي الشخصية ونسخة منها، بحثي مطبوعاً ونسخة أخرى، نسخ عديدة من بطاقة عملي.. هكذا أنا، يجب أن يكون لكل شيء نسخة أخرى فقط للحيطة ولأي حدث طارئ.. لكن يبدو أنني نسيت النسخة الأهم من هذا كله!
في فندق فخم يطل على منظر خلاب، غرفة ذات طراز كلاسيكي لكنها مزودة بوسائل التكنولوجيا الحديثة، أضواء رقيقة خافتة.. كانت الأجواء مشجعة على التدريب الأخير على العرض التقديمي الذي سأقدمه أمام آلاف الناس غداً صباحاً. أخرجت حاسوبي من الحقيبة، وضعته برفق على المنضدة وقدمت له وجبة فاخرة من الشحن الكهربائي لبطاريته الجائعة دوماً، لكنه كان يغط في سبات عميق.. " هيا.. ليس هذا وقت النوم، لدينا عمل مهم غداً ". توالت محاولاتي المستميتة لإيقاظه لكنه لم يستجب! بدأ قلبي يدق بسرعة وبدأت أخشى أن لا يستفيق، محاولة بعد أخرى، حتى طلبت المساعدة من مركز الأعمال التابع للفندق، أخبرني التقني بأن القرص الصلب لحاسوبي قد احترق وأنه لا مجال أبداً لإصلاحه. نزل علي الخبر كالصاعقة.. ملفاتي الخاصة بالعمل، صوري التي أحتفظ بها منذ سنوات، لوحاتي الفنية التي رسمتها بالفوتوشوب، المستندات، والمراجع الإلكترونية التي تعبت كثيراً في تجميعها، باختصار.. حياتي الرقمية، أيعقل أنها ضاعت في مهب الريح؟ و ماذا عن العرض التقديمي الذي عملت كثيراً على تنسيقه وتجميله ليبدو بأجمل صورة غداً؟ لو سهرت الليل بأكمله لن أستطيع إعادة إنشاءه من الصفر.
عصفت بذهني دوامة مريعة من الهموم، وأغرقتني موجة كبيرة من التوتر، كيف لم أفكر بعمل نسخة احتياطية من ملفات حاسوبي.. من حياتي، وأنا لم أترك شيئاً دون أن أعمل منه نسخة أو اثنتين؟ أستطيع أن أحصل على حاسوب مؤقت، لكن ماذا عن البحث؟ رنّ هاتفي المحمول في تلك اللحظة، كان المتصل مديري، يبدو أنه يود الاطمئنان على استعداداتي ليوم غد، أخبرته بما حدث بعد أن سمع نبرة صوتي المتوترة، وإذا به يزف لي الخبر السعيد.. إنه يحتفظ بالنسخة الأولية من العرض التقديمي، والتي قدمتها له ليراجعها. كانت سعادتي لا توصف. طلبت منه أن يرسلها على بريدي الإلكتروني في أقرب وقت. انحلت مشكلتي بطلبي لحاسوب مؤقت واستلامي للعرض التقديمي. مع بزوغ إشراقات الصباح كنت قد انتهيت من إعادة تنسيقه ومن التدريب الأخير قبل ذهابي للمؤتمر.
التصفيق الحار جداً، وعبارات المديح والثناء بعد إلقائي للبحث كانت كفيلة بصنع فرحة تواسيني في حدادي على فقدان حياتي الرقمية بالأمس. لكني لا زلت ألوم نفسي، فقد كان موقفاً مؤلماً، وكان بإمكاني تفاديه بخطوات بسيطة يوفرها لي نظام التشغيل لعمل نسخة احتياطية للملفات التي اختارها، ومن ثم أحتفظ بها في مكان آخر حتى يمكنني استرجاعها بسهولة إذا حصل عطب في الحاسوب. عمل نسخة احتياطية من الملفات ممارسة يجب علينا جميعها أن نضيفها إلى عاداتنا الرقمية.. لأجل معلوماتية آمنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق